فصل: تفسير الآية رقم (11):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآية رقم (11):

{فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)}
{مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} يعني الإناث {وَمِنَ الأنعام أَزْواجاً} يحتمل أن يريد الإناث أو الأصناف {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} معنى يذرؤكم يخلقكم نسلاً بعد نسل وقرناً بعد قرن، يكثركم، والضمير المجرور يعود على الجعل الذي يتضمنه قوله: {جَعَلَ لَكُم}، وهذا كما تقول كلمت زيداً كلاماً أكرمته فيه، وقيل: الضمير للتزويج الذي دل عليه قوله: {أَزْوَاجاً}، وقال الزمخشري: تقديره {يَذْرَؤُكُمْ} في هذا التدبير. وهو أن جعل الناس والأنعام أزواجاً، والضمير في يذرؤكم خطاب للناس؛ والأنعام غلَّب فيه العقلاء على غيرهم، فإن قيل: لم قال يذرؤكم فيه وهلا قال يذرؤكم به؟ فالجواب: أن هذا التدبير جعل كالمنبع والمعدن للبث والتكثير قاله الزمخشري {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} تنزيه لله تعالى عن مشابهة المخلوقين، قال كثير من الناس: الكاف زائدة للتأكيد، والمعنى ليس مثله شيء، وقال الطبري وغيره ليست بزائدة، ولكن وضع مثله موضع هو، والمعنى ليس كهو شيء قال الزمخشري: وهذا كما تقول: مثلك لا يبخل، والمراد: أنت لا تبخل، فنفى البخل عن مثله والمراد نفيه عن ذاته.

.تفسير الآية رقم (12):

{لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12)}
{مَقَالِيدُ} قد ذكر في [الزمر: 63].

.تفسير الآية رقم (13):

{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)}
{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحاً} اتفق دين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مع جميع الأنبياء في أصول الاعتقادات، وذلك هو المراد هنا، ولذلك فسره بقوله: {أَنْ أَقِيمُواْ الدين} يعني إقامة الإسلام الذي هو توحيد الله وطاعته، والإيمان برسله وكتبه وبالدار الآخرة، وأما الأحكام الفروعية، فاختلفت فيها الشرائع فليست تراد هنا {أَنْ أَقِيمُواْ} يحتمل أن تكون أن في موضع نصب بدلاً من قوله: {مَا وصى} أو في موضع خفض بدلاً من به، أو في موضع رفع على خبر ابتداء مضمر، أو تكون مفسرة لا موضع لها من الإعراب {كَبُرَ عَلَى المشركين مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} أي صعب الإسلام على المشركين {الله يجتبي إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ} الضمير في إليه يعود على الله تعالى، وقيل على الدين.

.تفسير الآية رقم (14):

{وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14)}
{وَمَا تفرقوا} يعني أهل الأديان المختلفة من اليهود والنصارى وغيرهم {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ} يعني القضاء السابق بأن لا يفصل بينهم في الدنيا {وَإِنَّ الذين أُورِثُواْ الكتاب} يعني المعاصرين لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى، وقيل: يعني العرب، والكتاب على هذا القرآن {لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ} الضمير للكتاب، أو للدين أو لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

.تفسير الآية رقم (15):

{فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)}
{فَلِذَلِكَ فادع} أي إلى ذلك الذي شرع الله، فادع الناس فاللام بمعنى إلى، والإشارة بذلك إلى قوله شرع لكم من الدين أو إلى قوله: ما تدعوهم إليه وقيل: ءن اللام بمعنى أجل، والإشارة إلى التفرق والاختلاف، أي لأجل ما حدث من التفرق ادع إلى الله وعلى هذا يكون قوله: واستقم معطوفاً، وعلى الأول يكون مستأنفاً فيوقف على {فادع واستقم} {كَمَآ أُمِرْتَ} أي دُمْ على ما أمرت به من عبادة الله وطاعته وتبليغ رسالته {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ} لضمير الكفار وأهواؤهم ما كانوا يحبون من الكفر والباطل كله {وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} قيل: يعني العدل في الأحكام إذا تخاصموا إليه، ويحتمل أن يريد بالعدل في دعائهم إلى دين الإسلام، أي أمرت أن أحملكم على الحق {لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ} أي لا جدال ولا مناضرة، فإن الحق قد ظهر وأنتم تعاندون.

.تفسير الآية رقم (16):

{وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16)}
{والذين يُحَآجُّونَ فِي الله} أي يجادلون المؤمنين في دين الإسلام، ويعني كفار قريش، وقيل: اليهود {مِن بَعْدِ مَا استجيب لَهُ} الضمير يعود على الله أي من بعد ما استجاب الناس له ودخلوا في دينه، وقيل: يعود على الدين وقيل: على محمد صلى الله عليه وسلم والأول أظهر وأحسن {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ} أي زاهقة باطلة.

.تفسير الآية رقم (17):

{اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17)}
{أَنزَلَ الكتاب} يعني جنس الكتاب {بالحق} أي بالواجب أو متضمناً الحق {والميزان} قال ابن عباس وغيره يعني: العدل، ومعنى إنزال العدل، إنزال الأمر به في الكتب المنزلة، وقيل يعني الميزان المعروف، فإن قيل: وما وجه اتصال ذكر الكتاب والميزان بذكر الساعة؟ فالجواب أن الساعة يوم الجزاء والحساب، فكأنه قال: أعدلوا وافعلوا الصواب قبل يوم الذي تحاسبون فيه على أعمالكم {لَعَلَّ الساعة قَرِيبٌ} جاء قريب، بالتذكير، لأن تأنيث الساعة غير حقيقي، ولأن المراد به وقت الساعة.

.تفسير الآية رقم (18):

{يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (18)}
{يَسْتَعْجِلُ بِهَا} أي يطلبون تعجيلها استهزاء بها، وتعجيزاً للمؤمنين {يُمَارُونَ} أي يجادلون ويخالفون.

.تفسير الآية رقم (19):

{اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19)}
{يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ} يعني الرزق الزائد على المضمون لكل حيوان في قوله: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأرض إِلاَّ عَلَى الله رِزْقُهَا} [هود: 6] أي ما تقوم به الحياة، فإن هذا على العموم لكل حيوان طول عمره، والزائد خاص بمن شاء الله.

.تفسير الآية رقم (20):

{مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)}
{حَرْثَ الآخرة} عبارة عن العمل لها، وكذلك حرث الدنيا، وهو مستعار من حرث الأرض؛ لأن الحراث يعمل وينتظر المنفعة بما عمل {نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} عبارة عن تضعيف الثواب {نُؤْتِهِ مِنْهَا} أي نؤته منها ما قدّر له، لأن كل واحد لابد أن يصل إلى ما قسم له {وَمَا لَهُ فِي الآخرة مِن نَّصِيبٍ} هذا للكفار، أو لمن كان يريد الدنيا خاصة، ولا رغبة له في الآخرة.

.تفسير الآية رقم (21):

{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21)}
ِ {أَمْ لَهُمْ} أم منقطعة للإنكار والتوبيخ، والشركاء الأصنام وغيرها، وقيل: الشياطين {شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ الدين مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ الله} الضمير في شرعوا للشركاء، وفي لهم: للكفار، وقيل: بالعكس والأول أظهر {لَمْ يَأْذَن} بمعنى: لم يأمر، والمراد بما شرعوا من البواطل في الاعتقادات، وفي الأعمال، كالبحيرة والوصيلة وغير ذلك.
{وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الفصل} أي لولا القضاء السابق بأن لا يقضي بينهم في الدنيا لقضي بينهم فيها.

.تفسير الآية رقم (22):

{تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22)}
{تَرَى الظالمين} يعني في الآخرة.

.تفسير الآية رقم (23):

{ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23)}
{ذَلِكَ الذي يُبَشِّرُ الله عِبَادَهُ} تقديره يبشر به، وحذف الجار والمجرور {إِلاَّ المودة فِي القربى} فيه أربعة أقوال: الأول أن القرى بمعنى القرابة، وفي بمعنى من أجل، والمعنى لا أسألكم عليه أجراً إلا أن تودوني لأجل القرابة التي بيني وبينكم؛ فالمقصد على هذا استعطاف قريش، ولم يكن فيهم بطن إلا وبينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم قرابة: الثاني أن القربى بمعنى الأقارب، أو ذوي القربى، والمعنى إلا أن تودّوا أقاربي وتحفظوني فيهم، والمقصد على هذا وصية بأهل البيت: الثالث أن القربى قرابة الناس بعضهم من بعض، والمعنى أن تودوا أقاربكم، والمقصود على هذا وصية بصلة الأرحام الرابع أن القربى التقرّب إلى الله، والمعنى إلا أن تتقربوا إلى الله بطاعته، والاستثناء على القول الثالث والرابع منقطع، وأما على الأول والثاني فيحتمل الانقطاع، لأن المودّة ليست بأجر، ويحتمل الاتصال على المجاز كأنه قال: لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة فجعل المودة كالأجر {يَقْتَرِفْ} أي يكتسب {نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً} يعني مضاعفة الثواب.

.تفسير الآية رقم (24):

{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24)}
{أَمْ يَقُولُونَ} أم منقطعة للإنكار والتوبيخ {فَإِن يَشَإِ الله يَخْتِمْ على قَلْبِكَ} فالمقصد بهذا قولان: أحدهما أنه رد على الكفار في قولهم افترى على الله كذباً: أي لو افتريت على الله كذباً لختم على قلبك، ولكنك لم تفتر على الله كذباً فقد هداك وسددك، والآخر أن المراد: إن يشأ الله يختم على قلبك بالصبر على أقوال الكفار، وتحمل أذاهم {وَيَمْحُ الله الباطل} هذا فعل مستأنف غير معطوف على ما قبله، لأن الذي قبله مجزوم، وهذا مرفوع فيوقف على ما قبله ويبدأ به، وفي المراد به وجهان: أحدهما أنه من تمام ما قبله: أي لو افتريت على الله كذباً لختم على قلبك ومحا الباطل الذي كنت تفتريه لو افتريت، والآخر أنه على وعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يمحو الله الباطل وهو الكفر، ويحق الحق وهو الإسلام.

.تفسير الآيات (25- 26):

{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26)}
{وَهُوَ الذي يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ} {عَنْ} هنا بمعنى من، وكأنه قال التوبة الصادرة من عباده وقبول التوبة على ثلاثة أوجه: أحدها التوبة من الكفر فهي مقبولة قطعاً والثاني التوبة من مظالم العباد فهي غير مقبولة حتى ترّد المظالم أو يستحل منها والثالث التوبة من المعاصي التي بين العبد وبين الله فالصحيح أنها مقبولة بدليل هذه الآية وقيل: إنها في المشيئة {وَيَعْفُواْ عَنِ السيئات} العفو مع التوبة على حسب ما ذكرنا، وأما العفو دون التوبة فهو على أربعة أقسام الأول العفو عن الكفر وهو لا يكون أصلاً، والثاني العفو عن مظالم العباد وهو كذلك والثالث العفو عن الذنوب الصغائر إذا اجتنبت الكبائر، وهو حاصل باتفاق الرابع العفو عن الكبائر فمذهب أهل السنة أنها في المشيئة، ومذهب المعتزلة أنها لا تغفر إلا بالتوبة {وَيَسْتَجِيبُ الذين آمَنُواْ} فيه ثلاثة أقوال أحدها أن معنى يستجيب يجيب والذين آمنوا مفعول، والفاعل ضمير يعود على الله تعالى أي يجيبهم فيما يطلبون منه. وقال الزمخشري: أي أصله يستجيب للذين آمنوا فحذف اللام. والثاني أن معناه يجيب و{الذين آمَنُواْ} فاعل أي يستجيب المؤمنون لربهم باتباع دينه والثالث أن معناه يطلب المؤمنون الإجابة من ربهم واستفعل هذا على بابه من الطلب، والأول أرجح لدلالة قوله: {وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ}؛ ولأنه قول ابن عباس ومعاذ بن جبل. {وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ} أي يزيدهم ما لا يطلبون، زيادة على الاستجابة فيما طلبوا، وهذه الزيادة روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها الشفاعة والرضوان.

.تفسير الآية رقم (27):

{وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)}
{وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي الأرض} أي بغى بعضهم على بعض، وطغوا؛ لأن الغنى يوجب الطغيان، وقال بعض الصحابة: فينا نزلت لأنا نظرنا إلى أموال الكفار فتمنيناها.

.تفسير الآية رقم (28):

{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)}
{وَهُوَ الذي يُنَزِّلُ الغيث مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ} قيل لعمر رضي الله عنه: اشتد القحط وقنط الناس. فقال: الآن يمطرون، وأخذ ذلك من هذه الآية، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: اشتدي أزمة تنفرجي {وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ} قيل: يعني المطر فهو تكرار للمعنى الأول بلفظ آخر، وقيل: يعني الشمس وقيل: بالعموم.

.تفسير الآية رقم (29):

{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29)}
{وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ} لا إشكال؛ لأن الدواب في الأرض وأما في السماء فقيل: يعني الملائكة وقيل: يمكن أن تكون في السماء دواب لا نعلمها نحن وقيل: المعنى أنه بث في أحدهما فذكر الاثنين كما تقول في بني فلان كذا وإنما هو في بعضهم {وَهُوَ على جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ} يريد جمع الخلق في الحشر يوم القيامة.

.تفسير الآية رقم (30):

{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)}
{وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} المعنى أن المصائب التي تصيب الناس في أنفسهم وأموالهم؛ إنما هي سبب الذنوب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يصيب ابن آدم خدش عود أو عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر. وقرأ نافع وابن عامر {بما كسبت} بغير فاء على أن يكون {مَآ أَصَابَكُمْ} بمعنى الذي وقرأ الباقون بالفاء على أن يكون ما أصابكم شرطاً.

.تفسير الآيات (31- 32):

{وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (31) وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32)}
{بِمُعْجِزِينَ} قد ذكر الجواري جمع جارية وهي السفينة {كالأعلام} جمع علم وهو الجبل.